كتابة عن شخصية مثل دييغو مارادونا، الذي كان له تأثير كبير في مجالات متعددة بما في ذلك الرياضة والسياسة، يمكن أن تكون مهمة ممتعة وملهمة حقًا، على الرغم من التحديات التي تواجه الكتابة في مجال السياسة.
دييغو مارادونا ليس فقط أسطورة كرة القدم، بل كان شخصية مثيرة للجدل والتأثير في الساحة السياسية أيضًا. من خلال ارتدائه لشعار القائد الثوري وتبنيه قضايا اجتماعية كبرى، أثبت مارادونا أنه لا يقتصر دوره على الملاعب بل يمتد إلى المجتمع بشكل عام.
تجد نفسك وأنت تكتب عن مارادونا، تستكشف حياته المليئة بالمغامرات والإنجازات، وتتعمق في تأثيراته الثقافية والسياسية. يمكنك أن تتحدث عن كيف أثرت مواقفه الجريئة ورمزيته الثقافية على ملايين الأشخاص حول العالم، وكيف حارب من أجل قضايا العدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم.
بمنهجية مثل هذه، يمكن للكتابة عن دييغو مارادونا أن تكون لحظة استرخاء مرحة في بحر الصراعات السياسية المستمرة، حيث تستمتع بفرصة لاستكشاف وتحليل حياة وإرث أسطورة كروية وسياسية في آن واحد.
يد الله
هذا المقتطف من كتاب "حكايات عامل غرف: مختارات من أدب كرة القدم الأرجنتينية" يصف بشكل شاعري وتاريخي لحظة أسطورية في حياة دييغو مارادونا، وهو لحظة هدفه الشهير ضد منتخب إنجلترا في كأس العالم عام 1986. دييغو مارادونا سجل هدفًا مذهلاً ومثيرًا أمام منتخب إنجلترا، حيث قطع مسافة طويلة وتلاعب بستة لاعبين إنجليز، ومن ثم سجل هدفًا غني بالرمزية والعواطف للأرجنتينيين.
المقتطف يصور التأثير العميق الذي خلفه هذا الهدف في أرجاء الأرجنتين، حيث شهدت شوارع بورتو ستانلي رياحًا باردة واحتفالات ساخنة، مع تجمع الناس ورفع الرايات والهتافات باسم مارادونا. الحدث لم يكن مجرد هدف في كرة القدم، بل كان له تأثير كبير على الوجدان الوطني والشعبي، خاصة في ظل التوترات السياسية والعسكرية بين الأرجنتين وبريطانيا حينها بسبب الحرب على جزر فوكلاند.
هذا النص يبرز كيف يمكن للرياضة، وبخاصة كرة القدم، أن تصبح عنصرًا موحدًا للشعوب ورمزًا للمقاومة والهوية الوطنية، حيث تتجاوز الحدود الرياضية لتؤثر على الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى.
مارادونا، الذي نشأ في حي "خاص" بضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينِس آيرِس في منطقة "فيا فليريتو"، كانت طفولته محاطة بالفقر والعوز. عندما يتحدث عن طفولته، يشير إلى أن كلمة "خاص" في هذا السياق لا تعني الخصوصية بل تعني الفقر الشديد وعدم توفر أساسيات الحياة مثل الماء والكهرباء وغيرها.
هدف مارادونا الأساسي من لعب كرة القدم كان تحقيق شيئين: الأول هو شراء منزل لأسرته، والثاني هو أن لا يعود إلى حيه الفقير مرة أخرى. وفي سن الخامسة عشرة، نجح مارادونا في تحقيق الحلم الأول بفضل إدارة فريق "أرجنتينيوس جونيورز" التي منحته منزلًا في بوينِس آيرِس، وكان هذا انتصارًا كبيرًا له كمراهق يعيش في ظروف صعبة.
وقد تحدث مارادونا بتأثر عن والده العامل، الذي كان يستيقظ في الرابعة فجرًا للعمل، ثم يعود منهكًا إلى الغرفة الصغيرة التي كانت أسرته تأجرها وينام مرهقًا جدًا بسبب الإرهاق الشديد.
مارادونا بدأ تألقه الكروي في سن صغيرة للغاية بعد أن قاد منتخب الأرجنتين للفوز بكأس العالم للشباب عام 1979، وذلك بعد عام واحد فقط من فوز المنتخب الأول بكأس العالم 1978 الذي استضافته الأرجنتين. كانت هذه النسخة من بطولة كأس العالم للكبار واحدة من أكثر النسخ إثارة للجدل في تاريخ المونديال.
بدأ مارادونا يدخل في دوامة السياسة الوطنية منذ سن الـ19، وذلك في فترة القمع الدامي في الأرجنتين، حيث كان كل إنجاز للمنتخب الوطني يُعتبر انتصارًا جديدًا للديكتاتورية العسكرية. بعد فوز الأرجنتين بكأس العالم، قاد مارادونا وفدًا منتخبيًا للشباب وتم استقبالهم بحفاوة من قبل الديكتاتور خورخي رافاييل فيديلا. وقد اعتبر فيديلا الفتيان العائدين بالكأس من اليابان نموذجًا للالتزام والطاعة للأوامر في ذلك الوقت.
أثار استقبال فيديلا لمارادونا ومنتخب الشباب الأرجنتيني العديد من الأسئلة حول مسيرته، خاصةً أن البلاد كانت تعيش في ذلك الوقت أظلم عصور الديكتاتورية. بعد سقوط النظام الاستبدادي، خرج مارادونا ليصف فيديلا بـ"الحشرة اليقظة"، مؤكدًا أنه وزملاؤه لم يكونوا يعلمون بالتفاصيل الكاملة لما جرى في البلاد في ذلك الوقت.
لم يكن اعتذار مارادونا ضروريًا في تلك المناسبة، إذ بعد سنوات قليلة من عودته مع الكأس، أصبح رمزًا سياسيًا بارزًا. تألقه في الملاعب وبالأخص في كأس العالم جعل منه شخصية مؤثرة للغاية في الأرجنتين، حيث أسهم في رفع سمعة البلاد على المستوى العالمي في العديد من المنافسات الرياضية، وخاصةً كأس العالم بالطبع.
في مونديال "مِكسيكو سيتي" عام 1986، لم تكن الأرجنتين من بين المرشحين الرئيسيين للفوز باللقب. لكن بدأت الآمال تنمو بعد تعادلهم مع بطل العالم إيطاليا في المرحلة الأولى، حيث برز مارادونا بمهاراته الاستثنائية وقدم أداءً فرديًا رائعًا أدى به منتخب بلاده إلى مواجهة فاصلة مع إنجلترا في دور ربع النهائي.
كانت هذه المباراة ذات أهمية كبيرة لأنها جاءت بعد أربع سنوات من الحرب بين الأرجنتين وبريطانيا بسبب الصراع على جزر "فوكلاند" (المعروفة باسم مالفيناس في الأرجنتين). كانت الجزر تحت السيادة البريطانية منذ عام 1833، وقامت بريطانيا بطرد القوات الأرجنتينية منها عام 1982 بعد حرب استمرت عشرة أسابيع، أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 2000 شخص.
تأثرت هذه المباراة بالتوترات السياسية والعسكرية بين البلدين، ولكن مارادونا تمكن من قيادة منتخب بلاده للفوز بثنائية مذهلة، حيث سجل هدفًا مشهورًا تعرف باسم "هدف القرن"، حيث مرر الكرة بمهارة وتفادى لاعبين منتخب إنجلترا قبل أن يسجل الهدف.
بالرغم من الجدل السياسي المحيط بالمباراة، إلا أن أداء مارادونا الرائع في الملعب جعله بطلاً وطنيًا وشخصية تمثل الفخر للأرجنتين، وأثبت أن كرة القدم يمكن أن تجمع بين الناس رغم الصراعات السياسية الكبيرة.
مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا في كأس العالم عام 1986 كانت لحظة تاريخية لا تُنسى في عالم كرة القدم، وأيضًا في السياق السياسي الذي كان يحيط بالمباراة. منذ انطلاق صافرة المباراة، كان واضحًا أن مارادونا كان متأثرًا بالتوتر السياسي بين الأرجنتين وبريطانيا، خاصة بعد الحرب التي دارت بينهما عام 1982 بسبب جزر "فوكلاند" (المعروفة باسم مالفيناس في الأرجنتين).
مارادونا سجل هدفين خلال تلك المباراة الشهيرة، الأول منهما كان بيده وأثار الجدل لأنه لم يتم احتسابه رسميًا كهدف بواسطة يد مارادونا، حيث اعترف لاحقًا بأنها كانت "يد الرب". الهدف الثاني كان من أبرز الأهداف في تاريخ كرة القدم، حيث راوغ فيه مارادونا لاعبي المنتخب الإنجليزي بمهارة لا تصدق قبل أن يسجل الهدف.
للأرجنتينيين، كانت هذه المباراة لحظة استرداد للكرامة بعد الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد، بينما لم تنسها الإنجليز أبدًا، خاصة بسبب الجدل الدائر حول الهدف الأول. وبعد وفاة مارادونا في عام 2020، خرجت الصحف الإنجليزية بعناوين تعبر عن الجدل الذي أحاط بمسيرته، بما في ذلك هدف "يد الرب".
بالنهاية، رأى الشعب الأرجنتيني في ما فعله مارادونا ليس فقط كانت مجرد إنجازات رياضية، بل كانت أيضًا تمثل لهم انتصارًا على المستوى السياسي والاجتماعي، مما جعله شخصية محورية لا تُنسى في تاريخ البلاد وفي عالم كرة القدم على حد سواء.
ماسانييلو
توماسو أنيلو أمالفي، المعروف بـ"ماسانييلو"، كان شخصية تاريخية من نابولي في القرن السابع عشر. ولد في يونيو/حزيران 1620، وكانت حياته في البداية عادية، حيث نشأ في أسرة متواضعة، ووالده كان صيادًا وأمه ربة منزل.
في يوليو/تموز 1647، اندلعت ثورة في نابولي بسبب المشكلات الاقتصادية التي كانت تعاني منها المدينة. خلال هذه الفترة، تورط ماسانييلو نفسه في المظاهرات وأصبح قائدًا للثورة بدعم من الشعب. ومع ذلك، بدأ يتحول إلى شخصية متسلطة، وانتهت حياته بأن قُتل من قبل أولئك الذين دعموه ونصبوه ملكًا عليهم.
في آخر أيامه، سُئِل مارادونا، الشخصية الرياضية الأرجنتينية الشهيرة، عن معرفته بقصة ماسانييلو، وأجاب بالنفي في البداية. لكن بعد سماعه للقصة من الصحفي المحاور، أبدى مارادونا عدم رغبته في أن يلقى مصير الثائر الملك، مشيرًا إلى نهاية مأساوية لهذه الشخصية التاريخية.
وصول مارادونا إلى نابولي في يوليو/تموز 1984 كان حدثاً استثنائياً في تاريخ المدينة وفي حياة الناس الذين عاشوا فيها. نابولي، المدينة الفقيرة في جنوب إيطاليا، كانت تعاني من آثار زلزال عام 1980 الذي خلف العديد من الضحايا والمشردين، بالإضافة إلى تدهور الخدمات العامة وارتفاع معدلات البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية والصحية.
على الرغم من هذه الظروف القاسية، تجمع حوالي 75 ألف مشجع في ملعب "سان باولو" لاستقبال مارادونا في أول ظهور له مع فريق نابولي. كانت هذه اللحظة ليست مجرد لحظة رياضية، بل كانت لحظة تحول للمدينة بأسرها. مارادونا، الذي برز كنجم رياضي وأيقونة شعبية، أصبح بمثابة رمز للأمل والسعادة لأهالي نابولي، الذين نسوا لحظة واحدة مشاكلهم ومحنهم اليومية، واحتفلوا بوجوده كلاعب في الفريق.
بالرغم من أن مارادونا كان يعيش حياة شخصية مضطربة ومليئة بالتحديات، إلا أنه تمكن من إعادة الحياة إلى نابولي بفضل مهاراته الفريدة وتأثيره الكبير على المجتمع. كانت فترة وجوده في نابولي من أبرز الفترات في مسيرته الرياضية والشخصية، وأثر بشكل عميق على الناس وثقافة المدينة.
مارادونا اختار اللعب لنابولي، الفريق الذي كان غير متميز رياضياً ولديه سجل محدود من الألقاب، بسبب عدة عوامل تجمعت معاً في الوقت المناسب. في أول تساؤل حول اختياره لنابولي، أشار مارادونا إلى أنه لم يكن هناك من يرغب في شرائه من برشلونة بسبب مشاكله الصحية والسلوكية التي تسببت في العديد من الضجة الإعلامية، بما في ذلك حادثة أمام أتليتيك بيلباو خلال نهائي كأس الملك في عام 1984.
لكن السبب الرئيسي لاختياره نابولي يعود إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية أكثر من الجوانب الرياضية. كان نابولي في تلك الفترة يمثل المدينة الفقيرة القاطنة في جنوب إيطاليا، التي كانت تواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة. كانت المدينة تعيش في ظل تفاوت اقتصادي بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وفريق نابولي كان يمثل تلك الطبقة الفقيرة التي تكافح من أجل المنافسة مع الأندية الغنية من شمال إيطاليا مثل يوفنتوس وإنتر وميلان.
مارادونا وجد في نابولي الفريق الذي يحتاجه ليعبر عن قدراته الاستثنائية ويكون رمزاً للمدينة ولأهلها. كانت كل مباراة وكل هدف يسجله بمثابة انتصار للمدينة الفقيرة ومحاولة للتغلب على التهميش الاقتصادي والاجتماعي. تمكن مارادونا من تحقيق نجاحات كبيرة مع نابولي، بما في ذلك فوزهم بالدوري الإيطالي مرتين وكأس UEFA، وهو ما جعله يصبح لاعباً محبوباً لدى الجماهير ورمزاً للنضال والتفوق رغم الظروف الصعبة.
مونديال 1990 شهد مواجهة نارية بين منتخب الأرجنتين وإيطاليا في دور نصف النهائي، وكانت هذه المواجهة مشحونة بالعواطف والتوترات السياسية والاجتماعية بين الشعبين.
مارادونا، الذي كان يُعتبر رمزاً لنابولي ولجنوب إيطاليا، استفز الإيطاليين قبل المباراة بتصريحاته الجريئة. أعلن أنه أعطى كل شيء لسكان نابولي، وتوقع أن يكونوا معه في المباراة ضد منتخب إيطاليا، التي كانت تُعتبر مستضيفة البطولة ولها آمال كبيرة في التتويج.
المباراة كانت مليئة بالندية والتشويق، وانتهت بالتعادل السلبي بعد الوقت الأصلي والإضافي، حيث تأهل منتخب الأرجنتين إلى النهائي بفضل ضربات الترجيح. كان هذا الانتصار بمثابة صدمة للإيطاليين وخيبة أمل كبيرة للجماهير المحلية، وقد أظهرت ردود الفعل القوية تعلق الجمهور بمارادونا وعلاقتهم العميقة به.
للأسف، نهاية مارادونا في كأس العالم 1990 كانت حزينة، إذ خسر المنتخب الأرجنتيني في النهائي أمام ألمانيا الغربية. رغم ذلك، بقي مارادونا رمزاً للفخر والتضامن لدى سكان نابولي، حيث وضعوا صورته إلى جانب صور العذراء والمسيح، واعتبروه بطلاً يمثلهم بكل كبريائهم وشجاعتهم.
بهذا، أكد مارادونا مرة أخرى أنه لا يمثل فقط لاعب كرة قدم، بل رمزاً يتجاوز الحدود الرياضية ليمثل التضحية والولاء والانتماء العميق لمجتمعه ولقيمه.
مارادونا كان شخصية مثيرة ومتناقضة في علاقته مع نابولي والجمهور الإيطالي. بالفعل، بعد الفوز على إيطاليا في نصف نهائي مونديال 1990 وتأهل الأرجنتين بركلات الترجيح، تغيرت نظرة الكثيرين تجاهه.
رغم أن جزءًا من النابوليتانيين كانوا يدعمونه ويحتفلون به كبطل لهم، إلا أن موقفه بعد المباراة وتصريحاته الجريئة تسببت في تحوله من "نصف إله" إلى شخص مثير للجدل والانتقادات. تم اتهامه بأنه شخصية متعالية ومتكبرة، واعتبره البعض أنه لم يكن متواضعًا بما يكفي في تعامله مع الجماهير والإعلام.
التوترات المتزايدة والمشكلات الشخصية والمهنية التي واجهها في نابولي، جعلته يغادر المدينة في ظروف غير مشرفة بالنسبة للكثيرين الذين أحبوه ودعموه في بداية فترة وصوله إليها. على الرغم من مشاكله، يظل مارادونا شخصية لا تُنسى في تاريخ نابولي وفي قلوب الكثيرين من سكانها، حيث أثرى حياتهم بأوقات الفرح والإثارة على أرض الملعب، ولكنه أيضًا ترك بصمة سلبية لدى البعض بسبب تصرفاته وسلوكياته المثيرة للجدل.
دييجو يحب فلسطين
مارادونا كان شخصية معقدة ومتناقضة في علاقته مع الفيفا والاتحاد الدولي لكرة القدم طوال مسيرته الكروية. منذ بداية مسيرته، كان لديه علاقة متوترة مع الفيفا، وهو ما تفاقم مع مرور السنوات وظهور العديد من الخلافات والمشكلات بينه وبين المنظمة الدولية.
في مونديال 1994، تعرض مارادونا لاتهامات باستخدام المنشطات بعد أن جاءت نتيجة الفحص إيجابية. رغم أنه احتج على جدولة المباريات في ظروف جوية صعبة ودرجات حرارة مرتفعة، إلا أن القضية الرئيسية كانت تركيزه على اتهامات المنشطات التي أثارت جدلاً كبيراً وأثرت على سمعته.
مارادونا كان يعتبر الفيفا عدواً له، وكثيراً ما عبر عن عدائه واستيائه من قراراتها وسياساتها. لم يتوقف هذا العداء حتى في سنواته الأخيرة، حيث كان يعارض القيادة السابقة للفيفا بشدة، بدءًا من سيب بلاتر إلى جياني آنفنتينو الرئيس الحالي.
على الرغم من هذه الخلافات، فقد تحدث سيب بلاتر بعد وفاة مارادونا بإحترام عن اللحظات الجميلة التي قضاها معه، مما يظهر التأثير الذي كان لمارادونا على عالم كرة القدم بشكل عام، وكيف أن إرثه الكروي لا يمكن نسيانه بسبب ما قدمه كلاعب استثنائي وشخصية مثيرة للجدل.
ظهرت التوجهات اليسارية لمارادونا منذ أيامه الأولى في الملاعب، حيث كان لديه وشم على ذراعه لزعيم الثوار الأرجنتيني "تشي غيفارا"، ووشم آخر على رجله لرمز اليسار العالمي وصديقه الشخصي "فيدِل كاسترو". بالإضافة إلى ذلك، دعم مارادونا العديد من الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية التي حاربت توسع الولايات المتحدة في المنطقة. في عام 2005، وخلال استعداد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لزيارة بوينِس آيرِس، وقف مارادونا إلى جانب صديقه الرئيس الفنزويلي "هوغو تشافيز" على منصة، وصرخ أمام الجماهير قائلاً: "اطردوا تلك القمامة البشرية التي تُدعى جورج بوش". على الرغم من أن مارادونا لم يكن يسارياً ماركسياً بالمعنى الأيديولوجي، إلا أنه كان يتلاقى مع القيم اليسارية في عدائه للنظام العالمي الرأسمالي، الذي اعتبر أنه يقضي على حقوق الفقراء الذين كانوا جزءاً منهم في يوم من الأيام. وظل مارادونا قريباً من هذه القيم معنوياً حتى بعد اعتزاله كرة القدم، حيث استمر في جمعيته الثورية من خلال مواقفه وتعبيراته العامة.
مارادونا لم يقتصر في مواقفه السياسية على الانحياز لليسار فقط، بل دعم أيضًا القضية الفلسطينية. خلال مونديال روسيا عام 2018، التقى مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ونشر صورتهما معلقًا عليها بقوله: "أنا قلبي فلسطيني". كما أعرب مارادونا عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني خلال القصف الإسرائيلي لغزة في عام 2014. وبالرغم من هذا التضامن، وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والحالي، "بنيامين نتنياهو"، بأنه "صديق إسرائيل".
مارادونا، فتى الأرجنتين الأول، ترك وراءه سيرة حافلة بالإنجازات الكروية والمواقف السياسية المثيرة. صوره ما زالت تُعلِّق في المدرجات في قطر خلال مباريات منتخب الأرجنتين في كأس العالم، حيث يقودهم "ليونيل ميسي"، الذي ورث عنه رقمه الأسطوري 10 وبعضاً من سحره الكروي، إلا أنه اختار الهدوء وتجنب الانخراط العلني في الملفات السياسية، ربما لتفادي الجدل والضجة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من حياة الراحل دييغو.