لم يتخيل أكثر المتشائمين أن يحدث ما حدث للنادي الأهلي في تلك المباراة. فقد كانت جميع الظروف مهيأة لضمان تأهل الفريق إلى المباراة النهائية، خصوصاً بعد الانتصار بثنائية من تسجيل أبوتريكة ومتعب في مباراة الذهاب التي أُقيمت في القاهرة.
بالرغم من المتاعب والصعوبات التي واجهت بعثة الفريق أثناء السفر إلى كوت ديفوار، حيث تضمنت رحلتهم استخدام طائرة خاصة لتسهيل الرحلة واحترام ظروف الصيام، وواجهوا الرطوبة العالية فور وصولهم إلى أبيدجان، وتعاملوا مع سوء الخدمة في مكان الإقامة على الرغم من موقعه المميز في وسط الأدغال الإفريقية، وتحملوا ساعات الصيام التي تمتد حتى قرب موعد آذان المغرب بتوقيت القاهرة، وواجهوا نقص الأوكسجين بسبب الطقس الرطب في تلك الفترة من العام، إلا أن جميع هذه التحديات لم تكن جديدة على الفريق. بالعكس، كانت هذه التجارب الصعبة دائماً تعطي دفعة قوية للاعبين لتحقيق الانتصار في أي مباراة.
كان ذلك الوقت يمثل ذروة فترة مميزة للنادي، حيث كانوا يتمتعون بجيل لاعبين مميز يتفوقون على منافسيهم في القارة الإفريقية. وكان المدرب الساحر مانويل جوزيه قائداً للفريق، والذي كان يعرف كيف يستغل تلك الظروف الصعبة لتحفيز لاعبيه وجعلهم يقاتلون بقوة وتصميم لتحقيق الانتصارات.
شوط أول مثالي وتقدم بهدف لفلافيو
في يوم المباراة المرتقبة، التي بدأت تقريبًا في الساعة 3:30 م بتوقيت أبيدجان، وسط أجواء حارة ورطوبة مرتفعة، وفي تمام الساعة 5:30 م بتوقيت القاهرة، وبالتزامن مع انطلاق مدفع الإفطار في مصر في تلك الفترة، كانت هناك دعوات كثيرة من الصائمين لصالح الأهلي. في تلك اللحظات، ملايين المصريين كانوا مجتمعين لتناول وجبة الإفطار.
لم يكن لديك إلا أن تتخيل كمية الدعم والتحفيز التي حظي بها الأهلي من محبيه وجماهيره. تلك الدعوات بالتأكيد كان لها تأثير كبير في دعم الفريق ودفعه للانطلاق في تلك المباراة المصيرية. المدرب مانويل جوزيه اتخذ نهجًا هجوميًا غير اعتيادي في مباريات الأهلي خارج ملعبه، حيث استخدم مثلث هجومي قوي يتألف من تريكة، ومتعب، وفلافيو منذ بداية المباراة. وخلفهما كان هناك اثنان في وسط الملعب للتوازن، محمد شوقي وحسام عاشور.
كان عصام الحضري حارس مرمى الأهلي في تلك الفترة، وقدم أداءً رائعًا. كما كان هناك تكتيك دفاعي قوي مع وائل جمعة وشادي محمد في الخط الخلفي. بينما كان إسلام الشاطر على الجهة اليمنى وطارق السعيد على الجهة اليسرى.
هذا الجو المميز والتحفيز الكبير من الجماهير ودعوات الصائمين، جنبًا إلى جنب مع التكتيك والأداء القوي، كانت هذه العوامل جميعها تساهم في إبهار مواجهة الأهلي في ذلك الوقت والتي تحولت لأحداث تاريخية في عالم كرة القدم.
بفضل بركة الله وتأثير دعاء الملايين من الصائمين، الذين بدأوا تناول وجبات الإفطار في وقت انطلاق المباراة، دخل لاعبو الأهلي ملعب "فليكس هوافييه" وهو ممتلئ حتى آخر مقاعدهم. كانوا جميعًا متركزين ومصممين على تحقيق الفوز بشكل مبكر، وهذا كان واضحًا من خلال تشكيلة الفريق وتعليمات المدرب مانويل جوزيه.
مع بداية المباراة وصافرة الحكم الجزائري "جمال حميدو"، بدأ لاعبو الأهلي بتوسيع سيطرتهم على أرض الملعب بشكل شامل، سواء في الجانب الدفاعي أو الهجومي. تميز أسلوبهم في اللعب بالتنسيق الجيد والانسجام بين اللاعبين، وكان ذلك يظهر بوضوح في التمريرات والتحركات الهجومية.
هذا الأسلوب القوي والجدية في الأداء أثر بشكل كبير على فريق "آسيك" من ساحل العاج، حيث شعر الفريق الإيفواري بالارتباك والضغط من لاعبي الأهلي. تميز الأهلي بالقوة والجدية ولعبهم السريع والبسيط، وذلك أثر في تفكيك جميع خطوط فريق "آسيك" وتسبب في صعوبة متزايدة بالتصدي لهم.
بهذا الأسلوب المميز والتعاون الفعّال بين اللاعبين، تمكن الأهلي من تحقيق تفوق كبير وتحكم في مجريات المباراة بدءًا من البداية.
في دقيقة 38 من المباراة، ترجم نجم الفريق الأحمر، اللاعب الأنجولي أمادوا فلافيو، السيطرة المطلقة للأهلي إلى هدف. وجاء هذا الهدف بفضل تمريرة عرضية متقنة من إسلام الشاطر، حيث استقبل فلافيو الكرة برأسه ببراعة ودقة، ليسجل الهدف الأول للأهلي. هذا الهدف جعل الأجواء تنم عن الاطمئنان، وتأكيداً على تقدم الأهلي نحو التأهل إلى النهائي للمرة الثانية على التوالي.
بعد هذا الهدف، اقترب الشوط الأول من نهايته، وعندما وجاءت صافرة الحكم "حميدو" لإنهاء الشوط الأول، كان الأهلي متقدمًا بهدف نظيف. وهذا الوضع جعل الأجواء تشهد تفاؤلًا كبيرًا، حتى إلى درجة أن كابتن طاهر أبوزيد، واحد من أساطير النادي الأهلي السابقين ومحلل لقنوات ART في تلك الفترة، توقع بأن الأهلي سيصعد إلى النهائي. وكان هذا الشعور مشتركًا بين الملايين من جماهير الأهلي، الذين شعروا أن الفريق قدم أداءً قويًا وأظهر إبداعًا في الشوط الأول، يُشبه جودة وجبة الإفطار التي تناولوها خلال مشاهدتهم للمباراة.
كارثة الشوط الثاني
فعلاً، ما حدث في الشوط الثاني من المباراة جاء غير متوقع تماماً وقد كان مفاجأة للجميع.
كان متوقعاً أن يستمر الأهلي في السيطرة على اللعب، خصوصاً بعد هدوء الأعصاب عقب هدف فلافيو في نهاية الشوط الأول. وكان يُفترض أن يكون الهدف قد حسم مصير المباراة بالفعل، حيث كان يجب على فريق "آسيك" تسجيل أربعة أهداف في 45 دقيقة للتأهل، وهو أمر صعب للغاية، خصوصاً بناءً على الأداء الرائع الذي قدمه الأهلي في الشوط الأول.
ومع بداية الشوط الثاني، أصبح واضحًا تأثر لاعبي الأهلي بالجهد الكبير الذي بذلوه في الشوط الأول. الحرارة والرطوبة العالية ونقص الأكسجين بدأت تؤثر على أداء اللاعبين وتجعل الأمور أكثر تعقيدًا. استفاد الفريق الإيفواري من هذه الظروف، حيث كانوا معتادين على مثل هذه الأجواء الصعبة.
فعلاً، كان الفريق الإيفواري يطمح على الأقل في تحقيق نتيجة إيجابية لحفظ ماء الوجه وإظهار تفوقهم في الشوط الثاني. وبدأوا يبذلون مجهودات أكبر وتكتيكات متقدمة للتسجيل، حيث بدأوا بتهديد مرمى الأهلي بشكل أكثر تكرارًا وخطورة.
هذا الانقلاب في أداء الشوط الثاني كان مفاجئًا وأثر على الأمور بشكل كبير، مما أظهر أن الأمور قد تأخذ منحى غير متوقع في أي لحظة في كرة القدم.
فعلاً، مع تراجع الحالة البدنية الرهيب والضغط الذي فرضه فريق "آسيك" على منتصف ملعب الأهلي في الشوط الثاني، أصبحت الأمور تنذر بالخطر، خاصة إذا نجح لاعبو "آسيك" في تسجيل هدف في وقت مبكر. وكانت هناك مخاوف حقيقية من تأثير هذا الهدف في تطورات المباراة.
وفعلياً، حدث ما كان الجميع يتخوف منه، حيث نجح فريق "آسيك" في استغلال انهيار الأداء البدني لدفاع الأهلي وتسجيل الهدف الأول في الدقيقة 60 من الشوط الثاني، من خلال لاعبهم الخطير "ياكونان". هذا الهدف جاء كتحذير من هجوم قوي من جانب "آسيك"، وسط تفاعل قوي من جماهيرهم وزيادة في ضغط اللعب.
مع تسجيل هذا الهدف، بدأ فريق "آسيك" هجومًا هائلاً ومتسارعًا، مستغلين الزخم الذي حصلوا عليه بعد هذا الهدف. تصاعد الحماس بين جماهيرهم، وتزايدت حالة الارتباك والتراجع البدني لدى لاعبي الأهلي، مما أثر سلبًا على أداء الفريق الأحمر.
لقد أصبحت الأمور في حالة ترقب وقلق، خاصةً أن الأهلي كان يجد صعوبة في الرد على هذا الضغط القوي من قبل فريق "آسيك".
مع استمرار الظروف البدنية الصعبة والتراجع الملحوظ في أداء لاعبي الأهلي، بدأت حالات السقوط في أرضية الملعب تتكرر بشكل متسارع. تمثل ذلك تأثيرًا واضحًا للتعب والضغط الكبير الذي يعاني منه اللاعبون، وكانت هذه اللحظات توضح مدى تأثرهم بالظروف البدنية والمناخية الصعبة.
في الدقيقة 66، سقط محمد شوقي على أرضية الملعب، وبعد ذلك تلو الآخر، سقط إثنين من اللاعبين، طارق السعيد وإسلام الشاطر، بحالة يرثى لها. بل وصلت الحالة إلى درجة أنهم اضطروا للخروج من الملعب على نقالة للحصول على العلاج خارج الملعب. وبسبب هذه الحالة، لعب الأهلي بتسعة لاعبين لمدة قصيرة تقريبًا قبل أن يعود اللاعبين للملعب.
كما خرج فلافيو من المباراة بسبب الإجهاد واستبدل بمحمد بركات، الذي عاد من الإصابة في محاولة لإعادة السيطرة وتحسين الأداء. ومع استمرار سقوط اللاعبين وانتهاء لياقة إسلام الشاطر، تم استبداله باللاعب الغاني اكوتى منساه، الذي تولى مهمة تأمين منتصف الملعب. فيما عاد محمد بركات للعب في مركز الشاطر.
هذه التطورات تبين مدى تأثير الظروف الصعبة على لاعبي الأهلي، حيث وصلت درجة التعب والتأثر البدني إلى حد الاضطرار للاستنجاد بالتبديلات والعلاج خارج الملعب. تحدت الظروف القوية تحدٍ كبيرًا للاعبي الأهلي، وتأثرت منهم أداءً وقدراتٍ كانوا يعتمدون عليها.وفي هذا السياق المليء بالتحديات والظروف الصعبة، وبينما كان الأهلي يحاول تجنب أي هدف يدخل مرماه، جاءت الدقيقة 70 لتضيء واحدة من أهم اللحظات في المباراة، حيث سجل اللاعب الخطير ياكونان هدفًا ثانيًا لفريق "آسيك".
في هذه اللحظة الحرجة، تأثرت الخطوط الدفاعية والتمركز لدى لاعبي الأهلي، وكان الفريق معنيًا بتفادي هدف ثاني يدخل مرماه. ومن جهة أخرى، تعززت الأجواء التشجيعية بين جماهير فريق "آسيك"، حيث شعروا بأن هدف التقدم لفريقهم قد أصبح أقرب.
سجل ياكونان، الذي كان يعتبر تهديدًا حقيقيًا للدفاع الأهلاوي، هدفه الثاني في المباراة في هذه اللحظة المهمة. استفاد من حالة عدم التركيز والتمركز التي انتابت لاعبي الأهلي، وتمكن من التغلب على الدفاع وتسجيل الهدف.
هذا الهدف زاد من التحديات التي تواجهها الأهلي، حيث أصبح على عاتقهم مهمة تسجيل هدفين للتأهل، وذلك في ظل الظروف البدنية الصعبة والضغط النفسي المتزايد.
الدقائق الاخيرة للمبارة
دخلت المباراة في منعطف خطير حيث زاد الضغط والحماس لدى فريق "آسيك"، وانفتحت شهيتهم لتسجيل المزيد من الأهداف بهدف تحقيق ريمونتادا تاريخية. تصاعد الضغط على مرمى الحارس عصام الحضري، وكان دوره حاسمًا في إنقاذ الفريق من كارثة محتملة.
كان الأجواء غير مواتية لفريق الأهلي، حيث تأثر لاعبوه بالرطوبة والاجواء الصيام وكان ذلك واضحًا في أدائهم. بالإضافة إلى ذلك، كان الضغط المستمر من لاعبي "آسيك" يفرض تحديات كبيرة على الأهلي.
وبينما كانت الدقائق تمر ببطء، كانت جماهير الأهلي تشاهد المباراة بترقب وتمنيات بتخطي هذه الظروف الصعبة. كانوا يتوقون لهدف يخفف الضغط المستمر من جانب "آسيك"، وهذا بالفعل حدث في الدقيقة 80.
عندما سنحت لعماد متعب فرصة لا تُعوض عندما تلقى تمريرة رائعة من محمد أبو تريكة داخل منطقة جزاء "آسيك". تمكن متعب من تجاوز المدافع والانفراد بالمرمى، لكنه بدلاً من تسجيل هدف محقق أرسل الكرة إلى السماء.
هذا الفرصة المضيعة كانت لحظة حرجة وفاصلة، حيث كان من الممكن أن يكون هذا الهدف تحفيزًا للاعبي الأهلي وتقليل من ضغط "آسيك". لكن المباراة استمرت والأهلي استمر في مواجهة التحديات والظروف الصعبة.وقبل انتهاء المباراة بثلاث دقائق فقط، اتخذ مانويل جوزيه قرارًا بدخول وائل رياض بدلاً من محمد أبو تريكة الذي قدم جهدًا كبيرًا ومميزًا طوال المباراة.
في الظروف الصعبة ووسط سيطرة فريق "آسيك"، واصل لاعبو الأهلي الكفاح والمثابرة حتى اللحظات الأخيرة بقيادة الحارس العملاق عصام الحضري، الذي قدم أداءً استثنائيًا طوال المباراة.
وبعد مجهود كبير وكفاح مستمر، أطلق الحكم جمال حميدو صافرته لإعلان نهاية هذه المباراة الصعبة التي جرت أثناء شهر رمضان، والتي كانت واحدة من أصعب المباريات التي مرت بها النادي الأهلي. ومع انتهاء المباراة، أعلن أيضًا تأهل النادي الأهلي للنهائي لبطولة دوري أبطال إفريقيا للمرة الثانية على التوالي.
تلك المباراة كانت شاهدة على التضحيات والكفاح الذي يمتلكه لاعبو الأهلي، حيث تغلبوا على الظروف الصعبة والضغط المستمر ليثبتوا جدارتهم ويصعدوا إلى النهائي، وهي لحظات لن تنسى من قبل جماهير النادي الأهلي ومحبي كرة القدم.
مرتجى وجوزيه
بالفعل، كانت هناك ردود فعل متباينة ومختلفة من قبل المتابعين بعد هذه المباراة الملحمية، رغم تحقيق الأهلي هدفه والتأهل إلى النهائي.
تعبر مطالبة خالد مرتجى، رئيس البعثة للاتحاد الإفريقي، بتجنب إقامة المباريات خلال شهر رمضان نهارًا عن استماعه للمخاوف والملاحظات المتعلقة بصعوبة الصيام والتحضيرات البدنية للاعبين في ظروف الحرارة والرطوبة.
تصريح مانويل جوزيه، المدير الفني للأهلي، يظهر حبه الكبير للفريق واهتمامه بأداء اللاعبين وتقديمهم لأفضل مستوى دائمًا. تعكس تلك التصريحات رغبته في تحقيق النجاح والانتصارات وترك بصمة إيجابية في تاريخ النادي.
وفي النهاية، استطاع نجوم الأهلي كتابة النهاية السعيدة لهذه الحكاية الملحمية. بتسجيل هدف التتويج في النهائي أمام الصفاقسي، أثبتوا عزمهم وقدرتهم على التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح. هذه النجاحات والتحديات تظل تعكس روح الفريق وتأكيدًا على تفانيهم وعزيمتهم في مختلف الظروف.